في قرية بعيده جداً .. بعيدة جداً حتى عن موقعها على الخارطة .. كان هنالك يوما ما حدث مهم وغير اعتيادي بل انه الحدث الاهم في تاريخ تلك القرية ....
كان ذلك الحدث هو قدوم (سهيل اليماني) الى الحياة !!
كانت الأمور تسير بهدوء إلى أن جاء هذا المولود .... كان أهم وأخطر ما تغير في معالم تلك القرية ... لقد اصبح بينهم الآن (سهيل اليماني) وهو مالم يكن موجوداً من قبل !!! ... ويجب أن يتكيفوا مع هذا الواقع الجديد ...
ومنذ أن كان هذا القادم الجديد في المهد وعلامات ودلائل الغرور تسكن كل قسمات وجهه ...
ومما زاد الطين بلة هو أن هذا اليافع سمع من الكثيرين كلمات الإعجاب بنباهته وألمعيته .. فزادت تلك الكلمات على بناء موجود أساسه في داخله .... كان كل ما حوله ينمي داخله ـ وحتى خارجه ـ ثقة الغرور ....
كانت مفاهيم هذا الصبي مختلفة ومتداخلة ومعقدة ... فهو لايرى فرقاً بين الغرور وعزة النفس والثقة الزائدة بها .. فكلها تعني بالنسبة له انه شيء مختلف ومميز عن ما عداه من الخلق !!!
كان من الصعب ـ بل من المستحيل ـ أن يقتنع بأنه ( قد ) يفكر يوماً ما بشكل خاطىء ....
عندما ذهب للمدرسة لأول مرة كان يرى نفسه اكبر من أن يكون طالباً في المرحلة الابتدائية ... ولكنه اكملها مع ما يتبعها من مراحل على مضض ....
كانت نظرات مدرسيه وكل طلاب المدرسة له في كل مراحله الدراسية تشجع وتنمي داخله تلك الفكرة التي يؤمن بها عن نفسه .....
ومضى في طريقة .... كل خطوة يخطوها تزيده غروراً وثقة عمياء في نفسه ... الى أن حان وقت الحقيقه ...
كانت أول صدمة يتلقاها هي فشله في اجتياز امتحان رخصة القيادة !!!
ولأنها كانت الأولى فقد كانت الأقسى ....
ثم انفرطت سبحة الصدمات وعاش هذا المسكين منذ رسوب رخصة القيادة يخرج من مصيبة ليقع في نكبة ولعل من عجائب القدر أن مشرف المنتدى الذي قرر أن يكتب فيه هو ( حمــــــــــــــود ) وهو نكبة أخرى !!
ثم كان الزواج .. ورغم ان (سهيل اليماني) كان يرى أنه يتمتع ببصيرة ثاقبه إلا أنه اكتشف بعد فوات الأوان أن كل ما يمتلكه مجرد عقل مثقوب !!
فلقد رضخ ـ وهو الذي عرف بعناده ـ لضغوطات الداعين الى اكمال نصف الدين ..... وكان يصرخ كلما حاولوا محتجاً : ( ومتى قسمتم الدين الى نصفين ؟ ومحمد عليه الصلاة والسلام لم يغادرنا الى الرفيق الاعلى الا بعد أن أكمل الله لنا الدين واتم نعمته على خلقه ...
يقول سهيل اليماني عن نفسه :-
أذكر أني قد خرجت مع أهلي وأنا في الثامنة من العمر الى مكان بعيد قاصدين التنزه ( كشته ) وأذكر أني نمت في ضحى ذلك اليوم تحت ظل شجرة ..... ولكن ذاكرتي توقفت عند ذلك الحد ... فأنا لا أذكر أني استيقضت من نومي ولا اتذكر من تلك الرحلة شيئاً آخر ...
ثم يقول مفسرا هذا الأمر :-
أعتقد أني لا زلت نائماً تحت تلك الشجرة ... وأن كل ما مر بي مجرد حلم طويل سببه الجوع .... وأن والدتي ستأتي الآن وقبل أن اكمل كتابة هذه الأسطر ... لتقول لي انهض من نومك فالغداء جاهز ....