مأساة تولستوي
ظل تولستوي كارهاً لزوجته حاقداً عليها، لا يغفر لها أنها أحالت حياته جحيماً.
وقد وصلت كراهيته لها إلى حد أنه أوصى بألاّ تدخل لرؤية جثمانه بعد وفاته، وقد اكتشفت زوجة تولستوي حقيقة الجحيم الذي صنعته لزوجها بتذمرها وشـكواها ونكـــدها الــذي لا ينتهي.. ولكن بعد فوات الأوان.. فقبل موتها اعترفت لبنتيها بقولها: (كنت السبب في موت أبيكما).
ولم تعلق الفتاتان.. فقد عرفتا أن أمهما قالت الحقيقة المرّة.. عرفتا أنها قتلت أباهما بشكواها المستمرة وانتقاداتها الدائمة.
هرعت صوفيا فزعة إلى بيت ناظر المحطة التي رقد فيها زوجها مريض بذات الرئة وطبيبه والذي درس على حسابه الشاب الفقير أندريا بجانبه.... تصرخ أين حبيبي ليو؟
قال أندريا لها: أرجوك يا سيدتي، أرجوك، رؤيته لك ستزيده ألما وعذابا.
- لكنه زوجي.
- معذرة، فمشكلته أنت.
- لم أقصد إيذاءه، لم أقصد، كل ما أردته أن أنقذ أسرتي، أدافع عن حقوقها، هل أخطأت؟
صاحت صوفيا كالمجنونة، تابعها ناظر محطة القطار وأسرته، وتابعتها بناتها اللاتي جئن معها للاطمئنان على أبيهن، صاحت صوفيا ثانية:
- هل كنت أتركه ليوزع أملاكنا كما يشاء، لو فعلت هذا، كنتم ستصفقون لي، لكن هل سيعيد التصفيق أرضي وأرض أولادي؟!
واقترب أندريا منها، ذهب بها بعيدا وهو يقول:
- أرجوك يا سيدتي، فالكونت تولستوي في النزع الأخير الآن.
لقد كان من المفروض أن يعيش تولستوي وزوجته في هناء. فهو الكاتب الكبير الذي فاقت شهرته شهرة جميع القياصرة، وكان المعجبون به يدونون كل كلمة يقولها وكل حركة تصدر منه حتى لو قال: (أريد أن ألوذ بالفراش).
ولد تولستوي لعائلة شديدة الثراء من ملاك الأراضي، ورغم أنه لم يحصل على درجة علمية إلا أنه كان بارعاً في الكتابة، وقد وضع روايتين من أشهر الروايات التي عرفها العالم: (الحرب والسلام) و(أنا كارنينا).
تزوج من (صوفيا أندويفنا)، وكان زواجه سعيداً، واستقر في الضيعة التي يمتلكها 15 سنة كتب خلالها أروع أعماله، ثم بدأ التغير والتحول في نمط حياته، إذ أخذ يدعو إلى مبادئه عن الحب والسلام وإلغاء الرق والاقطاع، ثم أصبح يطبق هذه المبادئ على حياته فعاش حياة القديسين يرتدي الثياب الخشنة، ويصنع أحذيته بيديه، ويأكل طعاماً بسيطاً في طبق من خشب... وتخلى عن جميع ممتلكاته الأمر الذي أدى إلى نشوب خلافات خطيرة بينه وبـــين زوجـته، وانضم أولاده إلى أمهـــم ما عدا ابنته الصغرى (الكسندرا) فعاش الرجل شقياً في أسرته التي لم ترض عن آرائه.
كانت (صوفيا) تحب حياة الترف والعز وتسعى إلى الشهرة، بينما هو احتقر كل هذا ولم يأبه به.
كانا فكرين متعاكسين.... النقيض للنقيض.... أقصى الشمال لأقصى اليمين... لم يعتدل أحدهما قيد أنملة
ومضت السنون وصوتها يرتفع بالتذمر والتشكي، أغضبها إقدامه على السماح بنشر كتبه بلا مقابل. وأصيبت بالهستيريا وأقسمت بأنها ستنتحر، وتسبب عدم التوافق الفكري هذا في شقاء كبير ومرارة.
وفي ليلة عاصفة رجته أن يقرأ مذكراته التي كتبها عنها وعن حبها قبل خمسين سنة. فقد روي أن كلاً من تولستوي وزوجته كان يكتب مذكراته يوماً بيــــوم، هو يـدون آراءه بصراحة في زوجـته وهي تدون انطباعاتها عنــه، وترك كل منهما هذه المذكرات متاحة للآخر ليقرأها.
وحين طلبت منه أن يقرأ مذكراته القديمة استجاب وأخذ يقرأ عن تلك الأيام الجميلة الحافلة بالسعادة التي ولّت بلا رجعة. فبكى الاثنان بكاءً مريراً.
وبلغ تولستوي الثانية والثمانين وضاقت نفسه بالشقاء المخيم على منزله. فهرب من زوجته في ليلة انهمر ثلجها.. وسار هائماً على وجهه في الظلام المتجمد.. وبعد أحد عشر يوماً مات من البرد بداء الرئة وحيداً فقيراً في محطة للقطارات.
هذا هو الثمن الذي دفعته (صوفيا) زوجة تولستوي، رب قائل يقول: إنها كانت محقة في تذمرها ونقدها..
ولكن هل أفادها تذمرها في شـــيء، لقـــد أضاف ســـوءاً إلى سوء وشراً إلى شــر...
كان ليو تلستوي كاتبا ومفكرا رائدا ومبدعا تمرد على الطبقية والبرجوازية وحياة الرفاهية والبذخ التي عاشها برغم أنه أنتج روائعه الخالدة في تلك الحياة وعندما أراد تطبيق ما توصل إليه فشل ومات كالعصفور الذي يقضي طول حياته في القفص لا يستطيع العيش خارجه
سمر سامي ...
حضور في خصب الغيث ..
ومعلومات جديرة بالاهتمام
شكرا على الحضور ...
عمر موسى ....
شكرا لك على ما أضفته
فأثرى الموضوع وأغناه
تحية مع أطيب المنى